كانت وقعة للزنوج مع أحمد بن ليثويه، وكان سببها أن مسرورا البلخي وجه أحمد بن ليثويه إلى كور الأهواز، فنزل السوس، وكان يعقوب الصفار قد قلد محمد بن عبيد الله بن هزارمرد الكردي كور الأهواز، فكاتب محمد قائد الزنج يطمعه في الميل إليه، وأوهمه أنه يتولى له كور الأهواز.

وكان محمد يكاتبه قديما، وعزم على مداراة الصفار، وقائد الزنج، حتى يستقيم له الأمر فيها، فكاتبه صاحب الزنج يجيبه إلى ما طلب، على أن يكون علي بن أبان المتولي للبلاد، ومحمد بن عبيد الله يخلفه عليها، فقبل محمد ذلك، فوجه إليه علي بن أبان جيشا كثيرا وأمدهم محمد بن عبيد الله، فساروا نحو السوس، فمنعهم أحمد بن ليثويه ومن معه من جند الخليفة عنها وقاتلهم فقتل منهم خلقا كثيرا وأسر جماعة.

وسار أحمد حتى نزل جنديسابور، وسار علي بن أبان من الأهواز ممدا محمد بن عبيد الله على أحمد بن ليثويه، فلقيه محمد في جيش كثير من الأكراد والصعاليك، ودخل محمد تستر، فانتهى إلى أحمد بن ليثويه الخبر بتضافرهما على قتاله، فخرج عن جنديسابور إلى السوس.

ودخل أحمد تستر، وأتت الأخبار علي بن أبان بأن أحمد على قصدك، فسار إلى لقائه ومحاربته، فالتقيا واقتتل العسكران، فاستأمن إلى أحمد جماعة من الأعراب الذين مع علي بن أبان، فانهزم باقي أصحاب علي، وثبت معه جماعة يسيرة، واشتد القتال، وترجل علي بن أبان وباشر القتال راجلا، فعرفه بعض أصحاب أحمد فأنذر الناس به، فلما عرفوه انصرف هاربا وألقى نفسه في نهر المسرقان، فأتاه بعض أصحابه بسميرية (سفينة حربية صغيرة) فركب فيها ونجا مجروحا وقتل من أبطال أصحابه جماعة كثيرة.


(تنس) مدينة تقع بالقرب من مليانة بينهما بحر ميلان، أسسها وبناها البحريون من أهل الأندلس، وهي مسورة حصينة، وبعضها على جبل وقد أحاط به السور، وبعضها في سهل الأرض، وهي قديمة، ويشرب أهلها من عين عذبة تعرف بعين عبدالسلام، وبها فواكه وخصب وإقلاع وانحطاط، ولها أقاليم وأعمال ومزارع.

أصبحت تنس جمهورية مستقلة مع قدوم قبيلة السواد العربية.


قدم يعقوب بن الليث في جحافل فدخل واسط قهرا، فخرج الخليفة المعتمد بنفسه من سامرا لقتاله، فتوسط بين بغداد وواسط، فانتدب له أبو أحمد الموفق بالله- أخو الخليفة- في جيش عظيم على ميمنته موسى بن بغا، وعلى ميسرته مسرور البلخي، فتقاتلوا قتالا شديدا، وقد ظهر من أصحاب يعقوب كراهة للقتال معه؛ إذ رأوا الخليفة يقاتله، فحملوا على يعقوب ومن قد ثبت معه للقتال، فانهزم أصحاب يعقوب، وثبت يعقوب في خاصة أصحابه، حتى مضوا وفارقوا موضع الحرب، وتبعهم أصحاب الموفق، فغنموا ما في عسكرهم، وكان فيه من الدواب والبغال أكثر من عشرة آلاف، ومن الأموال ما يكل عن حمله، ومن جرب المسك أمر عظيم، وتخلص محمد بن طاهر من الأسر، وكان مثقلا بالحديد، وخلع عليه الموفق، وولاه الشرطة ببغداد بعد ذلك.


ولى المعتمد على الله ولده جعفرا العهد من بعده، وسماه المفوض إلى الله، وولاه المغرب، وضم إليه موسى بن بغا ولاية إفريقية ومصر والشام والجزيرة والموصل وأرمينية وطريق خراسان وغير ذلك، وجعل الأمر من بعد ولده لأبي أحمد المتوكل، ولقبه الموفق بالله، وولاه المشرق وضم إليه مسرورا البلخي وولاه بغداد والسواد والكوفة وطريق مكة والمدينة واليمن وكسكر وكور دجلة والأهواز وفارس وأصبهان والكرخ والدينور والري وزنجان والسند، وكتب بذلك مكاتبات وقرئت بالآفاق، وعلق منها نسخة بالكعبة.